مكتبة الكاظمية العامة .. ستة عقود من العطاء

Image

 

الكاظمية المقدسة قبلة بغداد ومحط أنظار العلماء والباحثين والمفكرين، امتازت هذه المدينة المقدسة بصروحها الحضارية ومدارسها ومجالسها وحوزاتها الدينية ومكتباتها العامة والشخصية، فاليوم إذ نسلط الضوء على مكتبة الكاظمية العامة، التي تعتبر أحدى حواضر المعرفة التي واصلت العطاء العلمي والمعرفي لأكثر من ستة عقود، فهي ليست مجرد مكتبة تقليدية تضم مجموعة كتب ومؤلفات بل هي منهل روحي وثقافي عالق في نفوس وذاكرة علماء ومثقفي مدينة الكاظمية، وإرث ثقافي ومعرفي وثق تاريخ تلك المدينة منذ أربعينيات القرن المنصرم، فقد تعطرت أجواؤها بنسيم نهر دجلة ونفحات الإمامين الجوادين "عليهما السلام".

 

فكان لموقعنا دورٌ في تسليط الضوء عيلها حيث حدثتنا عن تاريخ هذه المكتبة وما تقدمه من خدمات للقراء والباحثين أمينتها السيدة (عالية عبد الحسين وهاب) قائلةً: أسست مكتبة الكاظمية العامة المطلة على ساحة جسر الائمة "عليهم السلام" على يد المرحوم الأستاذ داود العطار بجهود ذاتية سنة 1947م، فهي من أقدم مكتبات بغداد، بداياتها كانت عبارة عن غرفة صغيرة، بعدها تعاون أهالي مدينة الكاظمية الكرام في توسعتها وأُلحقت وقتها بالإدارة المحلية "محافظة بغداد" حتى أصبح أسمها آنذاك (مكتبة الإدارة المحلية في الكاظمية) وقد اٌختير موقعها لأسباب، منها لإطلالتها على نهر دجلة وكذلك ليستفيد منها طلبة مدينة الكاظمية والأعظمية، ومن أمنائها نذكر منهم الأستاذ داود العطار والسيد كاظم، والأستاذ محمد مفيد آل ياسين، وزكريا بهلول علي، ومتحدثتكم عالية عبد الحسين. وكان يرتادها كثيرٌ من الطلبة والشخصيات العلمية والأدبية الذين أصبح لهم شأنٌ في تاريخ العراق، وتضم اليوم خزانتها أكثر من 16 ألف كتاب بعناوين متنوعة واختصاصات مختلفة فضلاً عن الصحف والمجلات القديمة منها مجلة الغري وجريدة الزمان واليقظة، وأيضاً هناك من الشخصيات من قد تبّرعوا بمكتباتِهِم الشخصية منهم المهندس زهير سلمان أسود، السيد جاسم محمد أستاذ في كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد.

وواصلت السيدة عالية حديثها لما تعرضت إليه المكتبة في سبعينيات القرن الماضي واتلفت في تلك الحقبة الكثير من الكتب والمصادر والمقتنيات النفيسة، وحتى في عام 2003 استطاع أهالي مدينة الكاظمية أن يحافظوا على المكتبة من التخريب والسرقة والتلف وحماية تراث مدينتهم من الضياع.

وعَزَتْ أمينة المكتبة الإقبالَ الضعيف التي تشهده المكتبات عموماً ومكتبة الكاظمية خصوصاً بسبب إعتماد الطلبة في كتابة بحوثهم على المصادر المتوافرة في المكتبات الإلكترونية وإكتفائهم بذلك، وقد يرتادها طلبتنا خلال أيام معدودة من الامتحانات، وأشارت إلى أن مكتباتنا تحتاج إلى دعم ورعاية واهتمام أكثر من قبل الجهات المسؤولة، من خلال الانفتاح على المؤسسات الثقافية والفكرية والمراكز البحثية والعتبات المقدسة لما تمتلكه اليوم من خبرات وتقنيات حديثة في مجال المكتبات.

متمنية تطوير عمل المكتبة من خلال إنشاء مشروع المكتبة إلكترونية للتعريف بالمكتبة العامة ومحتوياتها وربطها في الشبكة العنكبوتية العالمية، فضلاً عن إدخال نظام الفهرسة الحديثة، داعية جميع مثقفي مدينة الكاظمية المقدسة وكلّ من كان لهذا المكان فضل عليه من أساتذة جامعات وأكاديميين وشعراء ومثقفين أن يرفدوا مكتبتهم بالكتب والبحوث والرسائل العلمية والأدبية الحديثة في المجالات كافة، مشيرة إلى (توحيد الجهود وتكاتف الأيدي لنخطو خطوات العمل الجماعي التضامني لإدامة وتأهيل المكتبة وأثاثها وفتح بقية قاعاتها، ونأمل أن تكون ملتقى للنخب المثقفة من خلال إقامة المؤتمرات والدورات والندوات والمجالس الثقافية وأن ترتدي حلةً جديدة لاستقبال زوارها ومساهمة الجميع في المحافظة على هويتها وقيمتها الحقيقية).

وأوضح الدكتور المؤرخ حميد مجيد هدو عن ذاكرة مكتبة الكاظمية العامة التي أنشأت في بداياتها بمجموعة كتب زودتها بها متصرفية بغداد آنذاك، واتخذت مكاناً صغيراً في بستان كنعان موقع دائرة ماء الكاظمية حالياً بالقرب من متوسطة دجلة، بعد ذلك شيدت المحافظة بقرار من مجلس الإعمار بناية لائقة بها بالقرب من جسر الأئمة حيث كان يأتي إليها طلبة الثانوية من مدينة الكاظمية والأعظمية والحرية وتكتظ في أوقات الامتحانات وكانت حينها تنافس مقهى الجامعة..

 

للأسف الشديد اليوم نجد عزوفاً كبيراً عن ارتياد مكتبة الكاظمية وذلك لشحة مصادرها، واصبحت فيها دائرة القائمقامية هذا ما اسدل الستار على تاريخ معلم من معالم مدينة الكاظمية، واتمنى وليس ما يتمناه المرء يدركه أن تنفخ فيها الحياة مرة ثانية وترفد بالكتب والمصادر وتكون بناية مستقلة بذاتها.

أما الدكتور عماد بليبل فقد قال أن مكتبة الكاظمية المقدسة من المكتبات العامرة وحين تذكرتها كأنما رجعت بي عقارب الساعة إلى مراحل المتوسطة والإعدادية حينها كنت اقضي معظم وقتي بالمطالعة والدراسة، اليوم أرى الشباب اليافع بعيداً كل البعد عن هذا المكان الذي اعتبره جزء من تكوين شخصية الإنسان وتقويم سلوكه في المجتمع، وبهذه المناسبة أوجه رسالتي إلى الجهات المسؤولة ومن بينها وزارة الثقافة وديوان الوقف الشيعي والمؤسسات المجتمعية بإقامة حملة توعية والتثقيف واستخدام وسائل الجذب الصحيحة لإحياء هذا المركز الثقافي.

وأكد الدكتور عبد الرسول محمد مهدي على ضرورة مواكبة مكتبة الكاظمية العامة للمكتبات العريقة التي لها فضل كبير علينا حين كنا نقتبس العلم منها وننهل من نميرها، حيث أجد ضالتي فيها، يؤلمني عندما وجدت المكتبة قد اندثرت واصبحت في ذاكرة النسيان، يا حبذا لو نتكاتف جميعاً لنعيد ذكراها بين الناس.

وأشار الدكتور رشاد الإبراهيمي بالقول: كيف لمكتبة ضخمة في مدينة مقدسة تزخر بالعلم والمعرفة أن تترك هكذا؟ فالواجب علينا ان نسعى جميعاً لإعادة هذا التراث واستنهاض همم المتخصصين في حقول المعرفة والثقافة وننطلق بحملة فكرية من مكتبة الكاظمية العامة لدعم المكتبات والتشجيع على القراءة.